كتاب ابن حزم وموقفه من الإلهيات عرض ونقد

مميزة عاقلة عارفة بالأشياء على ما هي عليه فهمة بما تخاطب به. وجعلها مأمورة منهية فعالة منعمة معذبة ملتذة آلمة حساسة، وخلق فيها قوتين متعاديتين متضادتين في التأثير وهما التمييز والهوى كل واحدة منهما تريد الغلبة على آثار النفس.
فالتمييز هو الذي خص به نفس الإنسان والجن والملائكة دون الحيوان الذي لا يكلف، والذي ليس ناطقًا.
والهوى هو الذي يشاركها فيه نفوس الجن والحيوان الذي ليس ناطقا من حب اللذات والغلبة، فالملائكة ليس عندها هذه القوة، لذلك لم يقع منها معصية أصلًا بوجه من الوجوه.
فإذا عصم الله النفس غلب التمييز بقوة من عنده. هي له مدد وعون فجرت أفعال النفس على ما رتب الله عز وجل في تمييزها من فعل الطاعات، وهذا هو الذي يسمى العقل.
وإذا خذل جل وعز النفس أمد الهوى بقوة هي الإضلال فجرت أفعال النفس على ما رتب الله عز وجل في هواها من الشهوات وحب الغلبة والحرص والبغي والحسد وسائر الأخلاق الرذلة والمعاصي وقد قامت البراهين على أن النفس مخلوقة وكذلك جميع قواها المنتجة عن قوتيها الأولتين التمييز والهوى كل ذلك مخلوق مركب في النفس مرتب على ما هي عليه، فإذا قد صح أن كل ذلك خلق الله تعالى فلا مغلب لبعض ذلك على بعض إلا خالق الكل وحده لاشريك له يقول صلى الله عليه و "كل ميسر لما خلق له" (¬١) فبين عليه السلام
---------------
(¬١) انظر صحيح البخاري (٣: ١٥٥)، و (٤: ١٠١، ٢١٧) وصحيح مسلم (٤: ٢٠٤٠، ٢٠٤١)، وسنن أبي داود (٤: ٢٢٣) وسنن الترمذي (٤: ٤٤٥) وسُنن ابن ماجه (١: ٣٠، ٣١) و (٢: ٧٢٥)، ومسند أحمد (١: ٦) و (٤: ٤٢٧، ٤٣١).

الصفحة 426