كتاب ابن حزم وموقفه من الإلهيات عرض ونقد

وفي هذا القول موافقة لمن فسر الظلم بما ليس بممكن الوجود وأن كل ممكن إذا قدر وجوده منه فإنه عدل، والظلم هو الممتنع عند هؤلاء كالجمع بين الضدين (¬١) فإن الظلم إما التصرف في ملك الغير أو مخالفة الآمر الذي تجب طاعته، ولا يكون هذا بالنسبة لله إذ كل ما سواه ملكه. وليس فوق الله آمر تجب عليه طاعته، فكل ما تصور وجوده وقدر فهو عدل، وهذا قول المجبرة مثل جهم ومن تبعه، وهو قول الأشعري وأمثاله من أهل الكلام وقول من وافقهم من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية (¬٢).
ونرى عدم استقامة هذا المعنى للظلم والعدل، وأن الصواب هو: أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه (¬٣)، والعدل وضع كل شيء في موضعه، والله سبحانه حكم عدل يضع كل شيء في موضعه الذي يناسبه وتقتضيه الحكمة والعدل، ولا يفرق بين متماثلين ولا يسوى بين مختلفين ولا يعاقب إلا من يستحق العقوبة فيضعها موضعها لما في ذلك من الحكمة والعدل، قال سبحانه وتعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)} (¬٤) وقال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ
---------------
(¬١) الضدان: صفتان وجوديتان يتعاقبان في موضوع واحد يستحيل اجتماعهما كالسواد والبياض. التعريفات للجرجاني ص (١٢٠) وانظر الحدود والحقائق للأبي (٢١، ٢٢).
(¬٢) انظر رسالة في معنى كون الرب عادلا في تنزهه عن الظلم ضمن جامع الرسائل لابن تيمية المجموعة الأولى ص (١٢١، ١٢٢).
(¬٣) انظر مختار الصحاح ص (٤٠٥)، والتعريفات للجرجاني ص (١٢٥)، والقاموس (٤: ١٤٥).
(¬٤) سورة القلم: الآيتان (٣٥، ٣٦).

الصفحة 437