كتاب ابن حزم وموقفه من الإلهيات عرض ونقد

الدليل السادس:
أن الفعل لغير علة وغاية مطلوبة، إما أن يكون لمانع يمنع من إرادة تلك الغاية وقصدها، أو لاستلزامه نقصًا ومنافاته كمالًا.
ولا مانع يمنع الرب تبارك وتعالى من فعل ما يريد يقول سبحانه "إن الله يفعل ما يريد" (¬١) ويقول: "إن الله يفعل ما يشاء" (¬٢) فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه يتصرف في ملكه كما يشاء سبحانه.
أما استلزام النقص فيدرك في أول العقل أن من يفعل لحكمة وغاية مطلوبة يحمد عليها أكمل ممن يفعل لا لشيء البتة.
ثم إن الفعل لغير غرض عبث ينزه الله عنه وقد نفى سبحانه هذا عن خلقه للمخلوقات بقوله: "وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين" (¬٣). فقد خلق المخلوقات لحكمة وغاية وليس لعبًا.
والفعل لغاية لا يستلزم النقص إلا إذا كان الفاعل لا يقدر على الفعل إلا لهذه الغاية، ولا يقول أصحاب التعليل بذلك بل يقولون بكمال قدرة الله على كل شيء.
فإن قيل: إن من يفعل لعلة فإنه يكون قبلها ناقصًا.
قلنا: إن أردتم بذلك، عدم ما تجدد فغير مسلم أن عدمه قبل ذلك الوقت الذي اقتضت الحكمة وجوده فيه يكون نقصًا.
وإن أردتم بكونه ناقصًا معنى غير ذلك فممنوع. بل يقال عدم
---------------
(¬١) سورة الحج: آية (١٤).
(¬٢) سورة الحج: آية (١٨).
(¬٣) سورة الدخان: آية (٣٨).

الصفحة 452