كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: الكتاب)
وقد قيل: إن هذا (¬١) مَثَلٌ للمنافقين وما يوقدونه من نار الفتنة التي يوقعونها بين أهل الإسلام ويكون بمنزلة قول الله تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة/٦٤] ويكون قوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} مطابقًا لقوله تعالى: {أَطْفَأَهَا اللَّهُ} ويكون تخييبهم وإبطال ما راموه هو تركهم في ظلمات الحيرة لا يهتدون إلى التخلُّص مما وقعوا فيه ولا يبصرون سبيلًا، بل هم صُمٌ بكمٌ عميٌ (¬٢).
وهذا التقدير وإن كان حقًّا ففي كونه مرادًا بالآية نَظَر، فإن السياق إنما قُصِد لغيره، ويأباهُ قوله تعالى: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ}، وموقد نار الحرب لا يضيء ما حوله أبدًا. ويأباه قوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} وموقد نار الحرب لا نور له. ويأباه قوله تعالى: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ [ب/ق ٩ أ] لَا يُبْصِرُونَ}، وهذا يقتضي أنهم انتقلوا من نور المعرفة والبصيرة إلى ظلمة الشك والكفر. قال الحسن رحمه الله: «هو المنافق أبصر ثم عمي، وعرف ثم أنكر» (¬٣)، ولهذا قال: {فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} أي: لا يرجعون (¬٤) إلى النور الذي فارقوه.
---------------
(¬١) يعني قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ... } [البقرة/ ١٧].
(¬٢) يُشير إلى قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة/١٨].
(¬٣) ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره (١/ ٥١) بدون سند.
(¬٤) قوله: «أي: لا يرجعون» سقط من (ب).