كتاب الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (اسم الجزء: 3)

للتكرار، فإن نفس المغفرة: رحمة، ولذلك جاءت الرحمة مكان [المغفرة] (¬1) في قوله -تعالى -: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (¬2).
الثاني: أخذ من قوله -تعالى-: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (¬3) الآية. أن الله تعالى أرحم بالعبد من أمه وأبيه. وبيانه أن العادة: أن الإِنسان يوصي على ولده غيره، والله -تعالى- قد أوصى أبانا علينا، وأما أخذ ذلك من قوله -تعالى-: {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)} فظاهر فإن الوالدين من الراحمين.
الثالث عشر: قوله: "إنك أنت الغفور الرحيم". "إن" هنا للتعليل، و"أنت" يجوز أن تكون توكيدًا للكاف، ويجوز أن تكون فصلًا. والصفتان للمبالغة وقعتا حتمًا للكلام على جهة المقابلة لما قبلها، فالغفور: مقابل لقوله: اغفر لي، والرحيم: مقابل لقوله: وارحمني، وقد وقعت المقابلة هنا للأول بالأول، والثاني بالثاني، وقد تقع على خلاف ذلك مراعاة للقرب فيجعل الأول للأخير وذلك على حسب اختلاف المقاصد وطلب التفنن في الكلام، وهو أن يذكر شيئًا ثم يقصد تخصيصه، فيعيده مع ذلك المخصص [مثل] (¬4) قوله -تعالى-: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)} ثم قال: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا} (¬5)، فبدأ بالأول لتصدره، وقال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ
¬__________
(¬1) في الأصل (الرحمة)، والتصحيح من ن ب د.
(¬2) سورة الأعراف: آية 156.
(¬3) سورة النساء: آية 11.
(¬4) في ن ب د (نحو).
(¬5) سورة هود: آيتان 105، 106.

الصفحة 508