كتاب الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (اسم الجزء: 9)

الثانية: استحباب الاستثناء لمن قال سأفعل كذا قال تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}. وكان -عليه الصلاة والسلام- يقولها إذا مرَّ على المقابر أيضًا. وقد ظهر أثر المشيئة أيضًا في قصة يأجوج ومأجوج لما قال الذي عليهم "ارجعوا وستحفرونه غدًا" (¬1). -يعني: السد- إن شاء الله فيجدونه كهيئته حين تركوه، فيحفرونه، ويخرجون"، وفي كل يوم قبل ذلك لم يستثن فيجدونه كأشد ما كان فينبغي إذن أن لا يترك في حال.
الثالثة: ما خص به الأنبياء من القوة على إطاقة هذا في ليلة واحدة. وكان نبينا عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام يطوف على إحدى عشرة في الساعة الواحدة كما ثبت في الصحيح (¬2). وهذا كله من زيادة القوة وصحة البنية مع ما كانوا فيه من الجهد كما هو معلوم من حالهم. وهو يوجب في العادة الضعف عن ذلك فخرق الله لهم العادة في أبدانهم كما خرقها لهم في معجزاتهم وأكثر أحوالهم.
وحكى القرطبي في قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (¬3). قال: كان سليمان أكثر الأنبياء نساء اجتمع
¬__________
(¬1) الترمذي (3153)، وأحمد (2/ 510، 511)، وابن ماجه (4080)، وتفسير الطبري (16/ 21)، والحاكم (4/ 488). وقال ابن كثير في تفسيره لسورة الكهف: آية (97): إسناده قوي جيد لكن في رفعه نكارة. . . . إلخ.
(¬2) ولفظه عن أنس: "كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة". الحديث أخرجه البخاري (268).
(¬3) سورة النساء: آية 54. انظر: تفسير القرطبي (5/ 250).

الصفحة 268