كتاب الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (اسم الجزء: 9)

الأولى: أن يقول المقتول في حياته دمي عند فلان. وهو قتلني أو ضربني وإن لم يكن به أثرًا وفعل بي هذا من إنفاذ مقاتلي أو جرحني، ويذكر العمد، فهذا موجب للقسامة عند مالك والليث، وادعى مالك: أنه مما أجمع عليه الأئمة [حديثًا وقديمًا] (¬1). قال القاضي (¬2): ولم يقل بهذا من فقهاء الأمصار غيرهما ولا روي عن غيرهما، وخالفا في ذلك العلماء كافة، فلم ير أحد غيرهما في هذا قسامة، واشترط بعض المالكية وجود الأثر والجرح في كونه قسامة. واحتج مالك في ذلك بقصة بني إسرائيل، وقوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى} (¬3)، قالوا: فحي الرجل وأخبر بقاتله.
واحتج أصحابه: بأن تلك حالة تطلب فيها غفلة الناس، فلو شرطنا الشهادة وأبطلنا قول المجروح أدى ذلك إلى إبطال الدماء غالبًا. قالوا: ولأنها حالة يتحرى فيها المجروح الصدق، ويتجنب الكذب والمعاصي، ويتزوَّد البر والتقوى، فوجب قبول قوله.
وقال الباجي (¬4): إن قيل ذلك -أعني ما سلف من قصة بني إسرائيل- أنه قيل: إنما الآية في إحيائه، وإذا صار حيًا لم يكن كلامه آية؛ وهذا مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا إلا ما ثبت نسخه.
¬__________
(¬1) ن هـ (تقديم وتأخير).
(¬2) ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 397).
(¬3) سورة البقرة: آية 73.
(¬4) المنتقى (7/ 56).

الصفحة 70