كتاب الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (اسم الجزء: 10)

تعالى أمته باتباعه والاقتداء بأقواله وأحكامه أجرى له حكمهم في عدم الاطلاع على باطن الأمور. ليكون حكم الأمة في ذلك حكمه، ولهذا قال: "إنما أنا بشر" لأجل خطابه لهم وإلَّا فالغيب لا يعلمه من في السموات والأرض إلَّا الله، ولعله إنما عبر به دون غيره من الألفاظ امتثالًا لقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}، فأجرى الله تعالى أحكامه على الظاهر الذي يستوي فيه هو وغيره، ليصح الاقتداء به، وتطيب نفوس العباد للانقياد للأحكام الظاهرة من غير نظر إلى الباطن.
وهذا الحديث وإن كان ظاهره يقتضي أنه قد يقع منه حكم في الظاهر مخالف للباطن، وقد اتفق الأصوليون على أنه -عليه الصلاة والسلام- لا يقر على خطأ في الأحكام، فلا مخالفة بينها, لأن مراد الأصوليين ما حكم فيه بالاجتهاد فهل يجوز أن يقع فيه خطأ؟ والأكثرون على الجواز، لكن لا يقر عليه، بل يُعلمه الله تعالى به، ويتداركه.
ومراد الحديث ما حكم فيه بغير اجتهاد كالبينة واليمين، فهذا إذا وقع منه ما يخالف ظاهره باطنه لا يسمى الحكم خطأ، بل هو صحيح بناء على ما استقر به التكليف وهو وجوب الحكم بشاهدين مثلًا، فإن كانا شاهدي زور أو نحو ذلك فالتقصير منهما وممن ساعدهما، وأما الحاكم فلا حيلة له في ذلك، ولا عيب عليه بسببه، بخلاف ما إذا أخطأ في الاجتهاد، فإن هذا الذي حكم به ليس هو حكم الشرع، وإن كان يثاب على اجتهاده ويؤجر، وأبى بعض الشرّاح هذا، وقال: هو معصوم فلا يقع منه حكم بخلاف ما هو عليه

الصفحة 24