كتاب الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (اسم الجزء: 10)

الامتنان بذكر النعم على ما دل عليه سياق الآيات قبلها فذكر تعالى الامتنان بنعمة الركوب والزينة في الخيل والبغال والحمير وترك الامتنان بنعمة الأكل، كما ذكر في الأنعام ولو كان الأكل ثابتًا [لما ترك الامتنان به، لأن نعمة الأكل في جنسها فوق نعمة الركوب والزينة، فإنه لا يتعلق بها البقاء بغير واسطة ولا يحسن ترك الامتنان بأعلى النعمتين، وذكر الامتنان بأدناهما فدل ترك] (¬1) الامتنان بالأكل على المنع منه، لا سيما وقد ذكرت نعمة الأكل في نظائرها الأنعام، وهذا وإن كان استدلالًا حسنًا إلَّا أنه يجاب عنه بوجهين، ذكرهما الشيخ تقي الدين (¬2).
أحدهما: ترجيح دلالة الحديث على الإِباحة على هذا الوجه من الاستدلال من حيث قوته بالنسبة إلى تلك الدلالة.
ثانيهما: أن يطالب بوجه الدلالة على غير التحريم، فإنها تشعر بترك الأكل وترك الأكل أعم من كونه متروكًا على سبيل التحريم أو التنزيه. وأجاب غيره بأنما خص الركوب والزينة بالذكر, لأنهما
¬__________
= وأما ثالثًا: فالامتنان إنما قصد به غالبًا ما كان يقع به انتفاعهم بالخيل فخوطبوا بما ألفوا وعرفوا, ولم يكونوا يعرفون أكل الخيل لعزتها في بلادهم، بخلاف الأنعام فإن أكثر انتفاعهم بها كان لحمل الأثقال وللأكل فاقتصر في كل من الصنفين على الامتنان بأغلب ما ينتفع به، فلو لزم من ذلك الحصر في هذا الشق للزم مثله في الشق الآخر.
وأما رابعًا: فلو لزم من الإِذن في أكلها أن تفنى للزم مثله في البقر وغيرها مما أبيح أكله ووقع الامتنان بمنفعة له أخرى، والله أعلم]. اهـ.
(¬1) في ن هـ ساقطة.
(¬2) إحكام الأحكام (4/ 457).

الصفحة 89