كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 1)

أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا) فلم يكن جواب النبي صلى الله عليه وسلم راجعا إلى الاعتضاد بمخلوق ولا الاستغناء ببشر؛ ولكن قال له: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) فرده من التعلق بالأسباب المخلوقة إلى خالق الأسباب.#
* وفي هذا الحديث من الفقه أيضا ما يدل على فضيلة أبي بكر رضي الله عنه، فإنه لم يقل له إن الله تعالى ثالثنا في هذه الحالة خاصة ولا في الغار خاصة؛ ولكن قال له: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما) أبدا.
* وفيه أيضا أن الهرب من المخوف مشروع، ولا يكون ذلك نقصا في إيمان المؤمن، وعلى هذا يحمل هرب موسى عليه السلام من العصا حين انقلبت حية، وتوليه منها هاربا، وليس كما يقول بعض الناس إن ذلك من البشرية، ولكن موسى عليه السلام لم ير أن يترك الشرع في ذلك المقام بين يدي الله عز وجل فهرب من المخوف شرعا.
والدليل على ذلك أنه لما قال له سبحانه: {خذها ولا تخف} انقلب الشرع في حقه حينئذ إلى أن لا تخاف منها. ولذلك جاء في الحديث أنه أدخل يده في فيها، فتواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر رضي الله عنه في الغار دليل على أن الهرب من المخوف مشروع، وأن فعله - صلى الله عليه وسلم - سنة وشريعة.
* وفيه أيضا (6/ أ) تذكير بنعمة الله عز وجل لأنه بقي بما يشاء إذ جعل في ذلك الوقت السد بين نبيه - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه نعال المشركين بتشبيث أقدامهم فقال له: (لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا) فجعل السد الحائل منع أحدهم أن ينظر إلى قدمه.
وذكر ابن جرير في هذا الحديث أن قوله: (لوأن أحدهم نظر إلى قدميه

الصفحة 53