كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 1)

مكروه ولا قادح في فضيلة الراقد عليه.
وقوله: (نم يا رسول الله، وأنا أنفض ما حولك) يريد بقوله أنفض: أتطلع وأفتش؛ ونفض الأرض: أن تنظر هل فيها ما يخاف؟
يقال: نفضت ثوبي، وأراد (8/ أ) مطمئنا متودعا في نومه غير منزعج لما حوله.
وقوله: (فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هذا يدل على ثقته بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأنه آمنه على نفسه لكونه نام - صلى الله عليه وسلم - وهو ناطوره وطليته.
وقوله: (فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصخرة يريد منها الذي أردنا، فقلت: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من أهل المدينة)، وهذا يدل على فقه أبي بكر رضي الله عنه وتحرجه، وأنه إنما سأل تحرجا من أن يكون لأحد من أهل المدينة؛ لكونهم قد فشا فيهم الإسلام فلا يجوز التعرض له إلى بإذن كما فعل، فحينئذ قال له: أفي غنمك لبن؟
وهذا من حسن الأدب أن تكون المسألة درجات، إذ لو قال له: ما في غنمي لبن لأمسك، ولم يقل له: أفتحلب لي؟ ولو قال له: أفتحلب لي؟ - قبل سؤاله أفي غنمك لبن؟ - لم يأمن أن يقول: ما في غنمي لبن، وهذا الكلام فيه إشارة إلى أنه استعمله حاله، وهل هو مأذون له في الحلب، لأن قوله: (أفتحلب لي؟) يفهم منه: أفلك أن تحلب لي؟
وقوله: (فقلت: انفض الضرع من الشعر والتراب) فيه من الفقه:
* أن النظافة- ولاسيما لضيف الإنسان وأخيه وصاحبه المؤمن- عبادة لله عز وجل، ولذلك قال: (انفض الضرع من الشعر والقذى).
قال: (فرأيت البراء يضرب بيده على الأخرى) يصف النفض، وليس لجاهل أن يقول هذا نبي وصديق فماذا يضرهما أن لو وقع في الإناء تراب أو قذى؟

الصفحة 59