كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 1)

* وفيه أيضا ما يدل على التداوي من العطش في شدة الحر باللبن المشوب بالماء البارد يكون ....
* وفيه أيضا من فطنة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه لم يضع يده في ليعرف برده، ولا شرب منه قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل تركه بحاله فلم يعرف ذلك إلا ببرد أسفله.
* (9/ أ) وفيه أيضا أنه وضعه على راحته ولم يمسكه بشفته لأن جوانبه كلها معرضة لأن يشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها فترك لك احتراما لما يمس شفته - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: (فشرب حتى رضيت) ولم يقل حتى شبع، ولا حتى امتلأ، ولكنه أشار إلى أنه بلغ الحد الذي أرضى المشفق عليه الذي صحبه في سراه وسيره، وعلم من ذلك ما لقيه.
وهذا مما يدل على أن أبا بكر الصديق إنما برد اللبن بالماء ليلتذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببرده، ولم يكن كما يقول الجهال نوع ترف؛ ولكن عبادة.
وقوله: (ثم قلت: اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت) فيه من الفقه:
* أنا أبا بكر رضي الله عنه كان واثقا بوثوق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به، فإنه قد تحقق منه تحققه لأمانته رضي الله عنه، فلم يبادر بأن يشرب هو منه كما يفعل الأعجام مع ملوكها، خوفا من أن يكونوا جعلوا لهم في الطعام ما يسوء.
وفيه أيضا ما يعلم كل ضيف حسن الأدب، بأن لا يقول لصاحب الطعام لا آكل حتى تأكل أنت منه، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا المقام كان كالضيف لأبي بكر؛ لأن أبا بكر قال للراعي: (أفتحلب لي؟). وقوله: (أفتحلب لي؟) ولم يقل: (أفتحلب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟)، ولا: (أفتحلب لنا؟)؛ من أجل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأكل صدقة، وهذا مما حصل بلسان طلب فهو يشبه الصدقة

الصفحة 61