الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى، فيما يرى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه، فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته، حتى فرع من صدره وجوفه، وغسله من ماء زمزم بيده، حتى أنقى جوفه، ثم أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب، محشو إيمانًا وحكمة فحشى به صدره ولغاديده، يعني عروق حلقه ثم أطبقه.
ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابًا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد، قالوا: أو قد بعث؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبًا به وأهلًا، يستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فرد عليه آدم عليه السلام، وقال: مرحبًا وأهلًا يا بني، نعم الابن أنت.
فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان، فقال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر، عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب بيده، فإذا هو مسك أذفر قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك.
ثم عرج به إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة مثل ما قالت الأولى: من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: أو قد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبًا وأهلًا، ثم عرج به إلى السماء الثالثة، وقالوا له (154/ب) مثل ما قالت الأولى والثانية.
ثم عرج به إلى الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى الخامسة،