كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 5)

نصح موسى وإشفاقه على أمته، وإذا قلنا إن موسى في السماء السادسة، وإن فوقه إبراهيم عليه السلام فيكون عبور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إبراهيم عليه السلام فلا أراه إلا لأن إبراهيم مقام الخلة ووالد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال الله تعالى: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي)، ولأن إبراهيم في مقام الخلة وقد سبق قولنا: إنها تفضي إلى اتحاد الإرادة فلا يكون في مناسبة الخلة الإشارة إلى مراجعة الله تعالى في أمر يأمر به، ويكون هذا القول من موسى عليه السلام هو الذي (157/أ) يناسب حاله.
* فأما قوله: (ثم علا به فوق ذلك ما لا يعلمه أحد إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى)، وإنها المنتهى في كل شيء، لأن النطق ورد بالإطلاق فتحتمل أن يكون انصرافه إلى كل شيء، ينتهي إليه يديه حتى الكبر من المخلوقات فإن الله تعالى يقول: {عندها جنة المأوى}، فأضاف جنة المأوى على سعتها وعظمها إليها. وهذا المعنى مما يذكره شيخنا محمد بن يحيى.
* وقوله: (ثم علا به) فلا أظنه يعني إلا أن الله تعالى علا به.
* وقوله: (ودنا الجبار فتدلى) بالفاء فإنها تقتضي العطف بلا مهلة في كلام العرب. وهذا يدلك على أنه جل جلاله رب العزة في دنوه إلى رسوله غير مشابه لتدلي الأجسام، وأما دنو الله سبحانه إلى عبده فهو معروف في لغة العرب، وكذلك التدلي فهو من الأعلى إلى الأدنى في التقريب غير خاف معناه، ولا يحمل شيء من ذلك على صفة الخالق لا حقيقة ولا مجازًا.
ومما يدل على أدب موسى أنه لم يسأل عليه السلام ماذا أوحى إليك ربك

الصفحة 117