كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 5)

على الإطلاق، فكان يكون في ذلك وحاشا موسى عليه السلام سوء أدب، ولكنه سأله عما يعلم أن مقتضاه الانكشاف، وأنه ليس مما يخفى فإنه يفرض على الأمة كلها.
* وفي هذا من الفقه أن الله سبحانه وتعالى علم أن موسى عليه السلام سيسأل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - عما فرض عليه ربه، وأنه سيتردد محمد - صلى الله عليه وسلم - فيما بينهما، فيضع الله عن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خمسًا وأربعين صلاة في العدد وتكملة في التضعيف ليجعل ذلك سببًا قويًا في تأنيس موسى عليه السلام إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -، لئلا يظن ظان أن موسى عليه السلام يغش على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتجاوزه مقامة.
* وقول موسى: (رب لم أظن أن ترفع علي أحدًا) فهذا يجوز أن يكون قاله اعتذارًا من سؤاله الرؤيا قبل محمد - صلى الله عليه وسلم -، لأنه سأل الرؤيا ظانًا منه أنه لا يرفع عليه أحدًا، فلما رأى محمدًا قد رفع عليه اعتذر عن سؤاله ذلك، وهذه النصيحة من موسى عليه السلام تدل على زوال المنافسة فيما بينهما، وما كان موسى عليه السلام إلا ليحب ما أحب الله تعالى من رفع محمد - صلى الله عليه وسلم - عليه، وما أحبه الله تعالى فهو إلى موسى أحب مما يحب.
* فأما استشارة النبي صلى الله (157/ب) عليه وسلم لجبريل عليه السلام فيما ذكره موسى له؛ فإنه مما يدل على كمال أدب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث لم يسرع العود إلى ربه مراجعًا في إسقاط فرضة فرضها على أمته حتى ينظر ما عند جبريل عليه السلام في ذلك، فلما رأى من جبريل عليه السلام سهولة ذلك عنده، رجع - صلى الله عليه وسلم -، وكان ذلك كله بتيسير من الله تعالى وتقدير، حتى كمل المثوبة، وخفف العبادة، وساق إلى موسى عليه السلام المحمدة، وزاد موسى ومحمد عليهما السلام كل واحد منهما ودًا لصاحبه، وإلى جبريل

الصفحة 118