كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 5)

فأما الحكمة في أنه عرج به من بيت المقدس، ولم يعرج به من مكة، ومكة أفضل من بيت المقدس؛ فالذي أراه في ذلك أنه لو عرج به من مكة لفاتته مشاهدة بيت المقدس، ولما كان يقوم الحجة على قريش بصفة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كما ثبتت حجته عليهم (158/أ) حين وصف لهم بيت المقدس والنظر إليه، فلما عرج به من بيت المقدس اجتمع له الحالان، وليكون أيضًا خطاه إلى قصد ربه سعيًا وعروجًا.
* وإنما ذكر ابني الخالة في هذا الحديث عيسى ويحيى عليهما الصلاة والسلام، وكونهما في مقام واحد وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو ذر فهو من رواية أنس عنه أيضًا، ولم يذكر فيه يحيى عليه السلام إلا أنه قد كان يحيى صديق عيسى عليهما السلام لقوله عز وجل: {مصدقًا بكلمة من الله} والكلمة هي عيسى.
* وقوله في البيت المعمور، وإن إبراهيم مسندًا ظهره إليه، وأنه يدخله كل يوم سبعون ألفًا لا يعودون إليه، فلا أرى في ذلك إلا إعلام النبي - صلى الله عليه وسلم - بكثرة جنود الله تعالى، وتضاعف عدد ملائكته حتى أن هذا البيت المعمور في كل يوم يدخله سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه، فانظر ما قد مضى من الدنيا من الأيام، وهو على ما قد مضى من ألوف السنين كل سنة ثلثمائة وستون يومًا، وهكذا إلى يوم القيامة في كل يوم سبعون ألف ملك ولم تفرغ النوبة حتى تنتهي إلى الأول.
* وأما إسناد إبراهيم ظهره إليه، فالذي أراد في ذلك أنه لم يبق بعد الموت عبادة ولا تكليف ولا توجه إلى قبله بل أسند ظهره إلى البيت لأن الدار

الصفحة 120