كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 5)

* وقد دل هذا الحديث على أن القنوت عند فراغ القراءة، وإنما كان القنوت في الدعاء على أولئك.
وقول أنس: (قنت شهرًا) فالظاهر أنه أراد في هذه المدة التي دعا فيها على هؤلاء. والذي أرى في هذا أنه متى حدث للمسلمين (150/ أ) ما يقتضي مثل هذا جاز أن يفعلوا مثل ما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - من القنوت في الصبح، ويدعو لأنه لم يأت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه منع من ذلك، ولا أنه خض ذلك بأولئك القوم بأعيانهم.
* وقد دل الحديث على أن الفقر غير مانع من عبادة الله عز وجل، بل ربما كان معينًا عليها، فإن هؤلاء كانوا يحتطبون بالنهار، ويقرؤون بالليل.
* وفي الحديث جواز أن يجد المؤمن على فقدان أخيه المؤمن استيحاشًا لفقده، وإن كان المفقود من أهل الجنة، ولاسيما إذا كان قد اغتيل فقتل به خداعًا وغاب عنه ناصره، ولم يحضر الفتك به وليه؛ إذ لو حضره لقد كان يبلي في الانتصار له فيشفي بذلك صدره.
* وقوله: (وكانوا يأتون بالماء فيضعونه في المسجد) فيه حث للفقير إذا وفقه الله أن يثابر على اصطناع المعروف كما يثابر عليه الغني، فإن هؤلاء كانوا يحتطبون ويبيعونه ويتصدقون بثمنه على أهل الصفة، وكانوا يتصدقون بنقل الماء إلى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليشرب منه المسلمون، وكانوا من الذين لا يجدون إلا جهدهم.
* وفيه أيضًا دليل على أن أهل الحق قد ينال منهم المبطلون، ولا يكون ذلك دالًا على فساد ما عليه أهل الحق، بل كرامة لهم وشقاء لأهل الباطل، فإن هؤلاء حين بعثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصيبوا كلهم كان ذلك فتنة للكافرين، ثم إن

الصفحة 94