إلى أن جحدوا لك الحق الذي يعترفون للبعيد، واطرحوا من وفاقك ما كان من عادتهم في حمية الأهبة للقريب، فأنذر عشيرتك الأقربين حينئذ من عذاب لا تقوم له السموات والأرض.
* وقوله بعدها: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}، فإن الجناح يستعمل في كل شيء تكون الإشارة فيه إلى المبالغة في الرقة والرحمة، كما قال سبحانه في حق الوالدين: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} يعني سبحانه وتعالى اخفض لوالدين جناح ذل منك، يعني جل جلاله أن لا تراهما بعين المسكنة عندك، وأن يكون خطابك لهما خطاب ذليل قد خفض جناحه لهما خفض ذل؛ قد أجمع على الاستسلام لأمرهما والإلقاء (121/ ب) لنفسه بين أيديهما.
ثم قال سبحانه بعد ذلك: {من الرحمة} يعني جل جلاله لا تفعل ذلك لهما من الحاجة؛ فيكون نظرك إلى ما عساه تفعله في وقت الحاجة دون وقت الغناء عنهما، ولا قال من الرقة ولا من الخوف منهما، ولكن من الرحمة، أي افعل ذلك إذا عادا في حال ضعف من القوم، فحينئذ اخفض لهما أنت جناح الذل من الرحمة، وهذا لما كان في حق الوالدين يتوجه أن يؤتي فيه بذكر الذل، فلما كان الخطاب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعطفه على المؤمنين لم يقل: جناح الذل، بل قال: (جناحك)، يعني جل جلاله جناح عطفك ورأفتك ورفقك وتعظيمك ولطفك ورفدك، وكل حسن من أوصافك، فإنه داخل تحت ذلك قرنه بكاف الخطاب.