الجن والإنس إلا ليعبدون (56) ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون).
فإن قال قائل: كيف يجمع بين قوله عز وجل: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم}، فدل النطق أن أنفسهم ملكهم الله إياها، وفي الحديث ثم اشتراها منهم، ما يدل على أن النفس لله وأن العبد هو المشتري.
فالجواب أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (اشتروا أنفسكم من الله)، يعني - صلى الله عليه وسلم -: أنكم إذا آمنتم به، وأنه خلقكم لعبادته فقد اشتريتموها منه سبحانه شراءً عامًا، وهو أنكم حررتموها من رق غيره من الشياطين التي تحتال وتعوي.
فأما مشرى الله سبحانه أنفس المقاتلين في سبيله؛ فإن ذلك الشراء الأول منهم هو الذي طيب النفوس بأن تصلح لهذا الشراء، والثاني فإنه لما طابت غلا ثمنها، فزاد مقدار مبلغه عن أن يكون الدنيا كلها له ثمنًا، فأعلم الله عز وجل أنها أنفس من أن تثامن بشيء من الدنيا، فقال: {بأن لهم الجنة} بالألف واللام المتعرفتين للجنس أو العهد، فكانت مشتراة لهم أولًا (122/ ب) مبادئه ومشتراة منهم ثانيًا بجنته.
ثم لما فرغ من ندائه الأقربين، عاد ذاكرًا لمن هو أبعد منهم نسبًا، فقال: يا بني كعب بن لؤي، يا بني مرة ابن كعب، فأما تكريره ذكر بني عبد شمس وبني عبد هاشم وبني عبد المطلب مع إجماله في قوله: بني عبد مناف والذي أراه أنه كرر الوصية على كل من رأى أنه سيصير إلى شيء من الأمر، وصاة له بأمته، واحتفالًا لمن ترك من المسلمين بعده.