كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 6)

* وفيه أيضًا أن من كان يبعد فانيًا فإنه يلحق به، فإن عباد الشمس إذا هي كورت لم يبق لهم ما يعبدونه؛ وكذلك القمر، وكذلك الطواغيت وهي الشياطين، وإنهم إذا رموا في الجحيم ضل عنهم ما كانوا يفترون.
* وقوله: (وهي هذه الأمة فيها منافقوها)؛ فإنه إنما تخلص أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من بين سائر من كان يعبد الأشكال والأجسام، وكل محصور ومحدود، وما قبل الفناء موصوم بوصمة الحدث ومشوه بآثار الصنعة فيه، ومن بقي من هذه الأمة وليس من دينها أن تعبد الأشكال ولا الصور ولا الشمس ولا القمر، وإنما تعبد خالق الكون الذي يدل عليه محدثاته وصنائعه، وترشد إليه أفعاله، فهو سبحانه القريب المجيب.
* وقوله: (فيأتيهم الله سبحانه وتعالى، فيقول: أنا ربكم)، فيكون من توفيقهم أن يقولوا هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، ولم يقولوا: أنت ربنا، ولكن كلامهم يدل على أننا نعرف ربنا.
* وقوله: (فيأتيهم، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا)، وذلك أنه يريهم ما لا أمارة للحدث فيه، ولا هو جزء ولا جملة؛ بل هو جل جلاله يخالف كل الأجسام والمثل لغيره والشبيه لسواه، فكأن كل دلائل الأجسام وأمارات التأليف والتفريق المرشدة إليه ودالة عليه، فصار معروفًا من حيث إن النقص في سواه سبحانه وتعالى، فعرفه عباده الذين آمنوا به في الدنيا بأول وهلة، حتى كأنهم لم يعرفوا غيره قط، ولا كأنهم فارقوه سبحانه وتعالى لأنهم رأوا من ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، ومذهب كل من كان يعبد غير الله عز وجل من الأجسام والأشكال (127/ أ) والشمس والقمر؛ فيفترق عابدهم ومعبودهم كأنهم لم يكن بينهم معرفة قط.

الصفحة 140