* هذا الحديث يتضمن سعة رحمة الله، وكثرة فضله في حلمه قبل انتقامه، وعفوه قبل عقوبته، وذكر الكتاب تأكيد بالغ في معناه؛ لأن ما زاد تأكيده يثبت في كتاب.
* وفي هذا الحديث (56/ أ) من الفقه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم أمته، أن الله تعالى كتب على نفسه، في كتاب شرف عنده، حتى لم يول خزنه ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلًا، ولم يرض في مكان خزنه إلا أن جعله فوق العرش؛ وذلك أن غضبه جل جلاله لم تكن لتقوم له السموات والأرض لولا أنه غلبته رحمته، فدفع العظيم بالعظيم، وكان هذا مما لولا أنه سبق، كما قال سبحانه: {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} وإلا فإنما كانت أحوال بني آدم تكون في كفة رجحان الغضب؛ لأنه سبحانه لما خلق آدم رافعًا له على الملائكة، وأسجد له الملائكة فسجدوا كلهم، فلما امتنع منهم واحد من أن يسجد لآدم لعنه وطرده وأوجب له النار، وقضى عليه بسخطه، وجعله عذرًا لكل عاص، ومنصرفًا للمذام إلى يوم القيامة، فكان من الحق أن بني آدم يكونون لهذا الشيطان وذريته على أشد عداوة، وأعظم إرغام؛ لأن الله سبحانه إنما لعنه وطرده فيهم، ولأجلهم، فلما اتبعوه إلا فريقًا منهم كان ذلك من موجبات الغضب، وقد قال سبحانه: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا}.
وهذه الآية مما عد العلماء أنه يذاق منها حلاوة القرآن، ألا ترى إلى ما قد استحوذ عليه الشيطان من إغواء هذه البرية، حتى إذا نظر الناظر من بني آدم