كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 6)

إلى ما قد اجتالت الشياطين من إخوته الذين هم صلب أبيه آدم، وكيف صدق عليهم إبليس ظنه (56/ ب)، وصح فيهم حديث، وأنه أغوى من أغوى من الأمم الماضية والقرون الخالية، مذ عهد نوح عليه السلام والأنبياء بعده، قرنًا بعد قرن، وجيلًا على أثر جيل، حتى لم يتخلص من أن يتابعه منهم إلا من اتبع المرسلين على قلة عددهم، بالإضافة إلى تبليغ الخلائق في كل وقت إلى أن انتهى الوقت إلى مبعث المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم -، فكيف أقام الحجة، وأوضح السبيل، وبصر من كل عمى، وهدى من كل ضلالة، وأبان من مكايد الشيطان ما لم يبق معه عدد لتابع غواية، وأنه على ذلك كان الذين اتبعوه وصحبوه، إلى أن توفاه الله عز وجل، وخلفه الهداة من أصحابه، المدة التي علم مقدارها.
ثم إن الشيطان أدب عقارب كيده، وأوقع من الفتن ما وقع من كل فتنة هي، وإن كانت قد وقتها وانطفأت في العيان شرها، فإن سمها ليعاذ كل لديغ بشيء من أنبائها إلى يوم القيامة، وإن وقتنا هذا من بني آدم؛ إذا فكر فيهم ذو اهتمام بأمر الكل، وأخو حزن من الحياء من موافقة الجنس فيما يسيء أدبه به بين يدي ربه جل جلاله في قوله الذي أخبرنا الله سبحانه به عنه؛ إذ يقول: {قال أرأيتك هذا الذي كرمت على لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلًا}، فكيف لا يجد المؤمن من هذه الوصمة خلاصًا لغمة إخوته من بني آدم عن مرارة عارها وشنارها، إذا نظرنا إلى ما عليه أهل الأطراف في أكناف الدنيا من مخالفة الأوامر؛ وارتكاب المناهي، ثم دنى

الصفحة 308