كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 6)

* إن قال قائل: الناس مع اختلافهم فيما يقطع به يد السارق يتفقون على أنه لا يقطع بسرقة بيضة ولا حبل، فما وجه ذلك؟
الجواب من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها البيضة من بيض الحديد كما ذكرنا عن الأعمش، والحبل من حبال السفن، وله قيمة تبلغ ما يقطع به السارق، وقد كان يحيى بن أكثم القاضي يذهب إلى هذا التفسير ويعجبه.
والوجه الثاني: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما أنزل عليه {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} قال هذا الحديث أخذًا بظاهر الآية، ثم اعلم بالوحي بعد أن القطع لا يكون إلا في ربع دينار فما فوقه، وهذا اختيار ابن قتيبة، قال: ولا يجوز الوجه الأول إلا على من لا معرفة له باللغة ومخارج الكلام؛ فإن هذا ليس بموضع تكثير لما يأخذه السارق وليس من عادة الناس أن يقولوا: قبح الله فلانًا (69/ أ)؛ عرض نفسه للضرب في عقد جوهر وجراب مسك، إنما العادة أن يقال: تعرض لقطع اليد في حبل رث، ولما ذكر ما يحتقر هاهنا كان أبلغ.
والوجه الثالث: أن المراد أنه يقطع في السرقة حتى في الشيء المحتقر إذا بلغ نصابًا، ذكر البيضة والحبل لبيان جنس المحتقرات لئلا يظن أن القطع يختص بنفائس الأموال.

الصفحة 343