* وكذلك من قتل نفسه بحديدة: فإن حاله عند الله عز وجل مثل حال الأولين.
* ومعنى ذلك أن يتعرض الإنسان بالمآكل التي الغالب فيها إيذاء آكلها، فيكون الإثم والحرج فيها على مقدار ما ينكأ في بدن آكلها.
* وعلى هذا كان الكراهية للإفراط في الشبع، وإدخال الطعام على الطعام، ومطاوعة الشره، والتعريض بالنفوس للغرر في المتالف، وما الغالب منه التوى والعطب مما لا يبعد أن يداني فاعله أصحاب هذا المقام.
ومن ذلك أن يستلقي تحت هدف مائل أو ينام على سطح ليس له حاجزًا، ويركب البحر عند ارتجاجه، أو يتعرض من البلاء لما لا يطيقه؛ فإن ذلك كله مما يخاف على فاعليه مداناة مقام القاتلين لنفوسهم؛ فإن تصرف الإنسان في نفسه تصرف المالكين يوهم أنه تعرض لدعوى الملكية فيه على الله. والذي يحمل الفاعلين لهذه الأفعال عليها؛ فإنه إما لضيق نزل بهم، أو غيظ استولى عليهم أو تعاط يراءى به الخلق، أو استلذاذ لما يتوهم بعده من طيب الذكر؛ فإن ذلك كله من الحرام الذي لا يسوغ ولا يحل.
* وقوله: (خالدًا مخلدًا)، قد كان قوله: (خالدًا) يكفي في معنى الخلود والمقام، ولكنه جاء بعده بذكر التخليد، فهو على معنى المراغمة للخالد والقهر له.
فإن قال قائل: إن الذي تحسى سمًا أو يقتل نفسه بحديدة أو يتردى من رأس جبل لا يخرجون بهذه الأفعال من الإسلام، وقد ثبت أنه لا يخلد في النار إلا الكافرون، فكيف قطع لهم بالتخليد؟
فالجواب أن هذا محمول على أنه يستحل (70/ أ) ذلك.