كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 6)

قبل أن يخلق الخلق. وفي طه ذكر التوبة على آدم وهو قوله: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ (109/ ب) فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}، إنما رأى أن غفران الذنب إقالة عثرة وليس بارتفاع درجة، فكأنه قال: أنا وإن كان قد غفر ذنبي؛ فإنه لا يحسن بي أن أتهجم بالشفاعة في حق البُراء من الأنبياء والمرسلين؛ لأن من آداب الشفيع ألا يشفع فيمن يعلم أنه أوجه عند المشفوع إليه.
* وقوله: (نفسي نفسي)، لا أراه إلا نهيًا لهم عن التزكية التي ذكروها، من أنه خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته؛ يعني - صلى الله عليه وسلم - أن النفس عند التزكية، لا يؤمن عليها نزق، فنهاهم عن ذلك بقوله: (نفسي، نفسي).
فأما تكرير قوله: (نفسي، نفسي، نفسي)، فإنه كرره تكريرًا هو أقل الجمع، ولو قيل: إنهم لما زكوه بثلاثة فصول؛ أحدها: خلق الله له بيده، وثانيها: نفخه فيه من روحه، وثالثها: سجود الملائكة. فقال عليه السلام: نفسي، نفسي، نفسي، ثلاث مرات مقابلًا لكل تزكية منها بمرة من المرات الثلاث كان وجهًا.
* وقوله: (اذهبوا إلى نوح، فيقول نوح: إني قد كانت لي دعوة، دعوت بها على قومي)، فليس يعني بهذا أن ذلك كان ذنبًا مني، ولكن هو من معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن لكل نبي دعوة)، فقال نوح عليه السلام: إني دعوتي التي كانت وحكمت في أن أجاب إليها، دعوت بها على قومي، فلم يبق لي دعوة أخرى أعرضها في مثل ذلك.
وقول نوح: (نفسي، نفسي، نفسي)، فإنه لما قدمنا ذكره من مخافة

الصفحة 436