كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 6)

التزكية وتكريره لذلك؛ فلأنه أتى بعدد هو أول الجمع، ولعله اقتدى في ذلك بأبيه آدم حيث كرر قوله: نفسي، نفسي، نفسي ثلاثًا مقابلًا بها فصول التزكية الثلاثة؛ لأن ذلك مما خبأه الله (110/ أ) لنبينا - صلى الله عليه وسلم -.
* وقول إبراهيم واعتذاره؛ لأنه قال قولًا يشبه الكذب، ولا أرى أنه رأى ذلك نقصًا في حالة الأمن؛ حيث أتى بقول ظاهره يُرضي به العدو، له فيه مخرج، فلام نفسه كيف لم يقل الحق صادعًا به على نطق لا يحتمل تأويلًا حتى يرغم الكفار لأنهم لا يرون لجهلهم أنه قال قولًا يحتمل أن يطعن عليه بالاستحالة، وإن كان له وجه لقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}. ويعني بذلك أنهم لما قالوا: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ أخرج إليهم الجواب في مخرج فقال: ({بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} فسلوهم على معنى التبكيت لهم، والاستهزاء منهم؛ أي نعم فعلته، وإلا فمن يفعله كبيرهم هذا؟ وهذا فإن فهمه منهم آحاد بقي الباقون في غمار أنه قال قولًا لم يكن كما قال، فيغلط سوء ظنونهم فيه، فاعتذر من ذلك، ورأى أنها كذبة من حيث الحال، وكذلك لما قال للملك: (هذه أختي) عن زوجته، وهي أخته في الإسلام كما قال إلا إنه من حيث إنه عرضها لأن يلتمس نكاحها الفاجر، اعتذر من ذلك وسماه كذبًا في الحال.
وقوله لما رأى الكوكب: (إني سقيم)، فالذي أراه أنه أراد إني سقيم في المستقبل أي سأسقم، كما قال سبحانه لنبيه {إِنَّكَ مَيِّتٌ} وخاطبه بذلك في حال حياته أي: سيموت إلا إنه من حيث إن جهالهم يرون ذلك كذبًا، رآه إبراهيم عليه السلام في حاله نقصًا يغاد خجلًا منه، وهذا مما يدلك على أن يوم

الصفحة 437