كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 6)

القيامة تصفو فيه الأذهان، ويعظم فيه من كل أحد التحرير حتى الأنبياء، ولم يكن (110/ ب) لإبراهيم صلوات الله عليه وآدم ونوح لما استعملوا التحرير وجودوا التفتيش إلا هذا القدر، فكيف بمن لعله في كل يوم يحصى عليه الألوف من الذنوب؟!
وقوله: (نفسي، نفسي، نفسي)، فيه المعنى الذي قدمنا ذكره في نوح؛ لأن الإنسان في القيامة في موقف حذر، ولا يأمن حتى يدخل الجنة.
* وأما قول موسى عليه السلام: (إني قتلت نفسًا لم أومر بقتلها)، فإنه إنما قتل نفسًا كافرة مباح قتلها، ولكن إنما أخطأ من حيث إنه لم يكن تقدم له إذن في ذلك من الله عز وجل، وقد أخبرنا الله سبحانه أنه تعالى غفر له ذلك، وأن موسى علم أن الله غفر له، وإنما تفكر موسى عليه السلام فوجد أن المهيج لقتل النفس التي قتلها، كان من العصبية لقومه، والله عز وجل قد غفر له قتل النفس، إلا أنه بقي معه خجل أن يكون إنما أثار ما أثار منه حتى قتلها، العصبية لقومه لا الغيرة لله، وقوله: (نفسي، نفسي، نفسي) على نحو ما تقدم.
* فأما كون عيسى عليه السلام لم يذكر ذنبًا، فإنه قال: (نفسي، نفسي)، مرتين، وكلهم قالها ثلاثًا، فلا أراه إلا لقربه من صاحب البحر، وكونه لم يبق بينه وبينه أحد، فلم يكن يحسن أن يذكر ذنبًا يشير إلى السائلين بأن هذا الذنب منعني من السؤال، وهو يعلم أن الوجيه صاحب الأمر مصدق المرسلين كلهم، لم يبق بينه وبينه أحد، بل أشار لهم إليه، ودلهم عليه، فلم يذكر ذنبًا، وحتى اختصر في قوله: (نفسي، نفسي) مرتين من ثلاث حتى يسرع بإرشادهم إلى صاحب المسألة لأنه - صلى الله عليه وسلم - صدق المرسلين كلهم.

الصفحة 438