كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 6)

* فأما قول كل واد منهم: اذهبوا (111/ أ) إلى غيري، اذهبوا على فلان، فإن ذلك مشير من كل منهم إلى أنه كان على طرف لسانه ذكر محمد - صلى الله عليه وسلم -، على علم منهم كلهم أنه صاحب الأمر، لكن لم يحسن بالواحد منهم عليه السلام أن يرشد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبينه وبينه عدد من الأنبياء، فيكون هضمًا منه لمنازلهم، وليكون أيضًا كل المرسلين دالًّا عليه، ومرشدًا إليه، فيتعين الأمر له - صلى الله عليه وسلم - باعتراف أماثل الأنبياء له وإشارتهم إليه.
* وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فأنطلق فآتي تحت العرش)، وعرصة القيامة تحت العرش، ولكن أراد - صلى الله عليه وسلم - أن يمشي لأجل الشفاعة، ويسعى في فكاك أهل الجمع إلى حيث يخر ساجدًا لله تعالى، ثم قال: (فيفتح) الله علي من محامده، وحسن الثناء عليه، شيئًا لم يفتحه على أحد قبلي). وهذا يدل على أن الله تعالى يعلم من محامده في ذلك الوقت ما يخصه به، مما لم يكن قد عرفه نبي قبله.
* وقوله: (يا محمد، ارفع رأسك)، وهذا مما يدل على أن أحسن ما قدم ين يدي الشفاعة من المحامد، والتعريض، ما يحبه المشفوع حتى يأذن في السؤال ليعطى الشفاعة، ويشفع.
* وقوله: (ارفع رأسك)؛ يعني من السجود.
وقوله: (فأقول أمتي يا رب)، ثلاث مرات، وهو - صلى الله عليه وسلم - إنما جاء شافعًا لأهل الجمع حتى الأنبياء، فكيف لم يذكر إلا أمته، وكرر السؤال فيهم ثلاثًا، فالظاهر من هذا أن الراوي للحديث قد يرويه مرة مختصرًا، علمًا بأنه قد سمع منه ما كان اختصره، ثم يكون السامع له ممن لا يستجيز أن يزيد فيه، ولا أن ينقص منه (111/ ب) فيروي منه ما سمع، فيأتي على مثل هذا، فيجوز أن

الصفحة 439