كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 6)

يستعمل الدواء رضا بما يقضى عليه، حتى أرسل إليه المعروف ببركات الطبيب يقول له: إن المتداوين لم يتداووا على أنهم لا يرضون بأقدار الله فيهم؛ ولكن أرادوا أن يدبروا أبدانهم بالصواب. وهذا الكلام من بركات فهو كلام واهن انلطق إلا أن معناه صحيح، ولا أخاله إلا قد سمعه من بعض علماء المسلمين ثم لم يحسن أن يعبر عنه.
*والصحيح في ذلك أن يقال: إن النفس مع الآدمي وديعة لله في يده، فهو على مثل الصبي في حجر الوصي، فلا يصلح أن يدبرها إلا بأصوب التدبير؛ فإن الوصي لو أهمل الطفل حتى تجري عليه الآفات معتذرا بالأقدار لكان ملومًا، من حيث إنه أساء القيام على من أوصي بالقيام عليه، وإن كانت الأقدار جرت عليه بما لو أحسن هو التدبير لم يكن تجر إلا بمثله؛ ولكن فاتت هو أن يقوم بما عليه؛ ثم انفصل المجلس؛ فأفكرت في قول ذلك الكافر من مدحه لجده توطئه لمدح دينه، وكيف لم أجبه عنه.
*ثم إني بعد ذلك فتح الله لي من الجواب ما أنا ذاكره: وهو أني استدعيته، فحضر ومعه كافر آخر، وأحضرت أنا معي مسلمًا ثم استعدت منه الحديث فاعترف بما قاله منه، فقلت له: أتراك قد استدللت بهذا على أن اليهودية دين حق، إذ يوفق المبطلون للتوكل والقوة على ترك الدواء، وأشار بأن: نعم، فقلت له: فماذا تقول فيمن يعتمد هذا منا معشر (98/ب) المسلمين، وأضعاف ما تعمده جدك هذا، ونحن عندك على ما تعلم، وكذلك ما يعتمده بعض النصارى من ذلك، فلا يستدل بضمن هذا على صحة ما علية فاعلة من الدين، فكأنه اعترف لي.
فقلت له: فالآن يخطر في قلبك أنك تقول: فكيف يجري الله طاعاته من التوكل والقوة في الأمور الصالحة على أحوال بغضائه وأعدائه، فتبسم

الصفحة 53