كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 6)

إلي تبسم المصدق لي على أني وقفت على ما في قلبه، فقلت له: إن الله لا يبغض الطاعة، ولكن إذا وازنت ذلك بما قد آتاه هذا المطيع من المعصية، رجع به العصيان، وقس ذلك أنه لو أن هذا أمير المؤمنين، وعنيت به المقتفي رضي الله عنه إذ ذاك، وكنت حينئذ مشرفا بالمخزن ولا أعلم الغيب ولكن أنطقني الله سبحانه الذي أنطق كل شيء نصب وزيرًا، فقال للناس: هذا مني ومنكم، فمن أراد إلي حاجة فليقلها إليه ليذكرها هو لي، فأطاع الناس إلا واحدًا، قال: أنا أطيعك فيما بيني وبينك من غير واسطة الوزير، ضعفي ما أطيعك في وساطته لكان من الحق أنه هو يقول: إني لا أقل ذلك وأنكره، وذلك لا لأني أحب الطاعة، ولكن من أجل أن هذا القول هو وإن كان يقرب من جهة طاعتي؛ فإنه تباعد كل الأبعاد عني من حيث الطعن في تدبيري، والتسوية لرأي فهل هذا حقي، فضحك الكافر على معنى أذكره.
فقلت له: مهلا، بقي أنه صبت أنه وزيره، وعنيت به محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فضحك مصدقًا لي في إصابتي لما في نفسه. فقلت له: الآن يقول الله عز وجل: يضاعف لكم يامخالفين سخطي لأن غضبي كان عليكم من حيث إنكم طعنتم في تدبيري (99/أ)، والآن فقد استبان طعنكم في وجودي؛ فإنه من ظن أن محمد قدر على ما قدر عليه من الاستيلاء على الأرض، وقهر ملوكها، ونسخ الشرائع التي كانت بين يديه فيها، وتحليل ما حلل، وتحريم ما حرم، ووضع ما وضع، ورفع ما رفع، وقسمه للمواريث، وشرع الشريعة، ووضع الفقه، وإراقة الدماء وحقنها، وإباحة الفروج وصونها مسندًا ذلك كله إلى، ومقرنا بزعكم قاتلكم الله على، ثم يستمر له ذلك ويستتب وال يدفع إلى يوم القيامة، فإن هذا لا يطيقه إلا من لا يرى أني موجود؛ إذ لا يرضى بإقرار الكذب عليه أحدكم، فكيف بخالق السموات والأرض؟!

الصفحة 54