كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 8)

فصارت هذه صفة يمتاز بها سبحانه عن جميع العالمين؛ لأنه ربهم، فلما بلغ الامتياز بهذه الصفة إلى هذا المبلغ زاد سبحانه وتعالى بأن قال: {الرحمن الرحيم} فاتصف بصفتين بلغتا بعد قوله: {رب العالمين}، لما ما لم يبق له فيه مشارك، ثم إنه اتصف بعد ذلك بالصفة التي تممت كل مطلوب بأن قال: {مالك يوم الدين}، فإن يوم الدين هو يوم المعاد الذي ينتهى الأمور إليه، وتعاد الحقوق فيه، ولا يملك الحساب في ذلك اليوم والمجازاة غيره، فتعين في الدنيا والآخرة التعين الذي لم يبق بعده احتمال، فلذلك خرج النطق من المعاينة إلى المشاهدة، فقال حينئذ بكاف الخطاب: {إياك نعبد وإياك نستعين}.
فأما غيره فقد قال: إن هذا جواب قوله: إذا أضمرت قولوا: بسم الله الرحمن الرحيم، وقولوا: إياك نعبد، ذكر هذا الرازي صاحب الأحكام، إلا أن الذي قال الشيخ أعلى فيما أرى.
ثم قال الشيخ: فمن هذه السورة يمكن أن نستخرج علوم الدنيا والآخرة كلها، وذلك أنه يقال في هذه السورة علم الحمد، وعلم الألوهية، وعلم الربوبية، وعلم العالمين، وعلم الرحمة، وعلم الملك، وعلم الدين، وعلم العبادة، وعلم الاستعانة، وعلم الهداية، وعلم الصراط، وعلم الاستقامة، وعلم النعمة، وعلم ما يجتنب من الغضب، وعلم ما يجتنب من الضلالة.

الصفحة 157