كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 8)

فيه على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فوقع بذلك، فأرسلت بالتوقيع على يد ذلك الإنسان الذي أرسلت به أولا، وهو حاجب كان في الديوان، يقال له ابن الظهيري فعرضه على الوزير ابن جهير حتى يتقدم بموجبه، فقال: سمعا وطاعة، ثم إن التوقيعات بعد ذلك جاءت إلى عندي بالمخزن، وكنت حينئذ بالمخزن، وليس فيها الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وكان ذلك الوزير قد مرض مرضة لا أحسبها إلا قبل أن يجري هذا، فحضرت لعيادته، فرأيته في شدة، فالتفت إلي وقال لي: كالمسلي لنفسه عن الحياة: هب أني قد قمت من مرضتي هذه، ثم عشت عشرين سنة ثم وقعت وقعتي هذه لأموت، أليس هذه كانت تكون كتلك. فاحسب أن هذه تلك وما الذي آسى عليه يفوتني أكل كذا وكذا من الغنم.
فقلت له: فاقلب هذه المسألة إن عافاك الله من مرضتك هذه، فعمرت عشرين سنة أن تجعل هذه العشرين سنة لله عز وجل، ومتى نازعتك نفسك إلى الدنيا فقل لها أنا مت منذ عشرين سنة. فقال لي: أفعل وهاك يدي على ذلك. فقلت له: انظر إني عنيت بذكري الزهد في الدنيا، وأنك تلبس القميص الأزرق، وتجلس في زاوية لهؤلاء الدبرة العجزة. فقال: وإلا فماذا؟ فقلت: لا بل تكون على ما أنت عليه من إعانة الخلافة ناظرا لمصالح المسلمين

الصفحة 167