كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 8)

بما يدل على أنه سيرتبني في ذلك.
وحضر عندي حاجب الوزير أبي القاسم علي بن صدقة رحمه الله وقال لي: قد أمر بترتيبك في ديوان الزمام مكان الذي خاصمته، وذهب عني حينئذ ذكر هذه المسألة، ثم قال لي: قد رسم أن يعلم به في هذه الليلة، وكان الوزير قد ركب من الديوان إلى داره فركبت إليه فوفقت وقت أذان المغرب، فقام المؤذن فأذن وكان رجلا صالحا يعرف بعمر بن ظفر المقدي، ثم قام وتقدم فصليت أنا والوزير وراءه، فقرأ فاتحة الكتاب ثم أتبعها بهذه الآية: {ولق سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين (171) إنهم لهم المنصورون (172) وإن جندنا لهم الغالبون} فسررت بذلك تفاؤلا بهذه الآية، وذهب عني ذكر المسألة.
فلما كان بعد أيام، وأنا قائم في الصلاة أخطر في قلبي أن تلك الآية، إنما ذكرت في جواب منازعتي الذي كان في هذا المنصب على معنى الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن صرف ذلك وترتيبي مكانه نصر لرسول (64/أ) الله - صلى الله عليه وسلم -، وتلك الآية إنما كانت في ذلك، فبلغني بعد ذلك أن الخليفة رضي الله عنه رد عليهم الذهب بختمه، وكان مبلغه سبعمائة ونيفا نقدا مع ضمان الباقي نسبة، ورتبني مكانه بغير بدل، ثم إن الله سبحانه نقلني من ذلك الموضع إلى الوزارة فحضر عندي بعض الناس وقال لي: إن هذا ديوان الزمام يسمى وادي الأفاعي، فقلت له: لا تخف علي فإن أمري أنا قرره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان كما ذكرت بحمد الله، ثم تابع الله نعمه، ووالاها وأسبغها وأصفاها، وكان ذلك من فضله سبحانه وتعالى ونصره جل جلاله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ببركة نصري للصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -.

الصفحة 171