كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 8)

الناس يقضى يوم القيامة عليه، رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت؛ ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، وقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن تنفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار)].
في هذا الحديث من الفقه أن هؤلاء الثلاثة فيما أرى: لم تكن أفعالهم إلا ليقال عنهم. فأما لو كانت أفعالهم لأجل الله تعالى؛ ثم عقب ذلك أن يقال جريء وعالم وجواد فسرهم ذلك لم تكن إيثارهم لهذا المدح مما يحل عقدة عزمهم الأول، ولم يكن هذا التوبيخ متناولا لهم؛ لأنه إذا تعلم العالم العلم لله ثم سره أن يقال إنه عالم لم يتناوله هذا الذم، وكذلك المنفق والمجاهد إذا قيل بعد خلوص نيتهما جواد وجريء لم يضرهما إذا لم يكن مبنى قصدهما لذلك.

الصفحة 36