كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 8)

أن تصحوا ولا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبتئسوا أبدا، وذلك قوله عز وجل: {ونودوا أن تلكم الجنة أو ورثتموها (19/أ) بما كنتم تعملون}.
وفي رواية: (من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، لا يبتلى ثيابه، ولا يفنى شبابه)].
يبأس وتبأس: لغتان، والمعنى لا يرى البؤس، وهو شدة الحاجة.
وقوله: (تبتئسوا) المبتئس: الحزين، وهذا مما ينادى به أهل الجنة إذ أدخلوها؛ ليزيد طيب قلوبهم ويعظم بالنعيم والخلود سرورهم، جعلنا الله وإياكم منهم.
وذلك أن الصحة إنما آفتها السقم، والحياة والشباب إنما آفتهما الموت والهرم، والنعيم إنما آفته البؤس.
فهي التي كانت تخاف على هذه الأحوال فتنغصها على أهلها إما بحدوثها عليها، وإما بتخويف وقوعها، فلما كانت أول بشراهم في الجنة أن كل ضد كان لنعمة من هذه النعم قد آمنوا وقوعه، كان تناولهم كل لذة على تمام كمالها آمنين من كل مخوف فيها؛ إذ لولا أن يقال ذلك في كل نعمة من هذه النعم لم تصلح أن يكون من نعيم الجنة.

الصفحة 54