كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 8)

الإنفاق ما يكون مقداره مدا واحدا من الصحابة أنفقه أحدهم ولا نصف ذلك المد، وهذا إنما ضربه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلا في النفقات فيقاس عليه: الصلوات والصيام والحج والجهاد وسائر العبادات؛ فإنها في معناه.
* وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لو أن أحدكم) بكاف الخطاب للحاضر المواجه؛ فإنه خطاب في هذه الصورة لأبي هريرة، فينصرف التحذير منه - صلى الله عليه وسلم - لسائر الصحابه؛ ممن رآه - صلى الله عليه وسلم - من أن يسب أفاضل الصحابة الذي تخصصوا بصحابته وكثرة (25/ب) ملازمته، والهجرة معه، والقدم في الإسلام، هذا يكون أشد في النهي عن ذكر الصحابة إلا بالخير لمن جاء بعدهم، لأنه إذا كان من شمله اسم الصحابة ولحقته بركتها وحظي بهذا الاسم الكريم لا يبلغ عمله لو أنفق مثل أحد مد أحد القدماء من الصحابة والفضلاء ولا نصف المد، فكيف لمن جاء بعدهم!.
* وفيه أيضا إشارة إلى أن الله تعالى أطلع رسوله على الغيب من أن قوما يجيئون في آخر الزمان وينتقصون أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم، فكان تحذيره كافة أصحابه من ذلك في ضمن قوله: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا) ولم يذكر أنه لو أن أحدكم سب واحدا منهم لم يكفر عنه ذلك كذا وكذا؛ بل رفع طبقة أصحابه من أن تجوز سب أصحابه عنهم؛ ولكن أشار إلى أن لحقا مرتبتهم وبلوغ شأنهم في الفضل ممتنع يستحيل؛ لأن أحدكم غاية أمره أن ينفق مثل أحد ذهبا في سبيل الله، ولو أنفقه لما أدرك به مدا لواحد من الصحابة القدماء ولا نصيفه، فإنا كان هذا حال من يريد أن يبلغ إلى مراتبهم، فما الظن لمن يذهب إلى تنقصهم أن يسبهم مما جاء بعدهم.

الصفحة 71