كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 8)

* وقد بينا أن الشحناء نتيجة الكبر وفرعه، وأن الكبر هو بطر الحق وغمط الناس، ويحتاج إلى بيان هذين الحدين اللذين يحتوي الكبر عليهما لينتهى عنهما؛ فنحيت الشيء من أصله ويحسم مادته من بابه.
* فأما بطر الحق؛ فالذي أراه فيه أنه ينبغي للمحق أن يكون في حقه حذرا من أن يتجاوز بنفسه في رؤيته أنه محق، فيبطر بذلك الحق (28/أ) بطرا يظهر عليه في الناس، ويكون على نحو الذنب الذي لا يتوب منه صاحبه؛ لأنه يرى أنه قد استطال بواجب شمخ على الناس بحق، فهذه من آفات المحقين.
فينبغي أن يكونوا على نحو من أن يثقل في الميزان انكسارا لمذنبين عند بطرهم هم لحقهم فيسف ويحف بحقهم ببطرهم فيه، ويثقل انكسار المذنبين، ويرزن بتواضعهم فيه.
وهذا فإنما يكون السالم منه من وفقه الله في حقه؛ لأن يكون متمنيا أن يبلغ إليه كل مسلم لم يلحق درجته، وأن يرحم من قصرت به قدرته عن لحاقه، وأن هذا من آفات هذا البطر أن يعرض المقصود عمن قصده ولا سيما إذا كان قصده في الدين أو يشرع في تنفير خلق الله عن أبواب الله أو يشدد عليه حكم الله، إذا سأله عنه بغير ما أمر الله به إلى غير ذلك من آفات بطر الحق.
* فأما غمط الناس؛ فقد روي ذلك بالطاء والصاد، والمعنيان متقاربان، وكلاهما يعود إلى احتقار الناس، والتطاول عليهم، فدل هذا الحديث الذي نحن في تفسيره أن الله تعالى يغفر في كل اثنين وخميس للعباد إلا للمتشاحنين، والمتشاحنان أن يكون كل منهما ذا شحناء فلا يتناول هذا النطق أن يكون رجل يخاف شر رجل ولا يأمن السوء من جهته، وذلك الآخر غير

الصفحة 77