كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح (اسم الجزء: 8)

خائف منه، كما يخاف الآخر؛ فإن ذلك الخائف لا يزول استحاشة مما يخافه إلا بوجود أمنة منه؛ فلا يكون الخائف أحد المتشاحنين.
وكذلك رجل هجر رجل في بدعة ابتدعها في الدين، وهجره لأجل الله تعالى، ولئلا يراه المسلمون زائرا له، (28/ب) ومقاربا سبيله، فيعتقدون صحة ما عليه المبتدع؛ فاستمر على هجرانه ذلك لأجل هذه الحال؛ بعد أن نصحه فلم ينتصح، واجتهد في إصلاحه فلم ينصلح؛ فهجره، فليس ذلك بمشاحن؛ إلا أنه ينبغي له أن يكون راحما له في الباطن، وداعيا له بأن يرحمه الله، ويرده إلى الحقن كما روي عن أحمد رضي الله عنه من الدعاء في ذلك بما قدمناه.
* وليس من التشاحن الرجلان يكون بينهما الحكومة أو العرض أو المعاملة فيبغي أحدهما على الآخر كما قال سبحانه: {وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض}.
إلا أن هذا في الخلطاء من المؤمنين لا ينبغي أن يبلغ بهم إلى التقاطع والتهاجر؛ بل أحبهما إلى الله أرفقهما بصاحبه، وأيسرهما لأخيه، وأصبرهما على رفيقه لقوله: (يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).
* فأما المتشاحنان الذي ينصرف إليهما إرجاء الغفران؛ فإنهما قد يكونا متحاسدين أو متكبرين أو باغيين أو متقاطعين أو متنافسين أو متماثلين أو متقاربين؛ فليحذر المؤمن من هذه الحالة، وليغفرها لأخيه خائفا أن يفوته

الصفحة 78