كتاب الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف

ثم هذا التفسير للولي هو الذي يفسرون به العدل، فإنَّه قال ابن حجر في شرح النخبة إنَّ العدل: "من له مَلَكَةٌ تحمِلُهُ على ملازمة التقوى والمروءة، والمراد بالتقوى: اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة"1 انتهى بلفظه، وقد فاته أيضاً فيه قيد لا بد منه في تفسير التقوى، وهو الإتيان بالواجبات، فإنَّه لا يكفيه فيه اجتناب السيئة2، ولكنَّه كأنَّه لما قال: "من شرك أو فسق أو بدعة" علم أنَّه لو لم يأت بالواجبات ما صدق عليه اجتناب السيئات، وأيُّ: سيئة أعظم من ترك الواجبات.
وإذا عرفت هذا علمت أنَّ الولي عند العلماء هو العدل؛ لتلاقي التفسيرين، بل تعريف العدل أضيق؛ لأنَّه أخذ فيه الملكة، وأخذ فيه عدم التلبس ببدعة، وقد أوضحنا ما في تفسيرهم العدالة بما ذكر في مؤلفاتنا3 كثمرات النظر في علم الأثر4 وغيرها.
__________
1 انظر نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر (ص:29) .
2 ولهذا فإنَّ أحسن وأجمع ما عرفت به التقوى هو قول طلق بن حبيب رحمه اللَّه حيث قال: "هي العمل بطاعة اللَّه على نور من اللَّه رجاء ثواب اللَّه، وترك معاصي اللَّه على نور من اللَّه مخافة عذاب اللَّه". ذكره الذهبي في السير (4/601) ثمَّ قال: "أبدع وأوجز، فلا تقوى إلا بعمل، ولا عمل إلا بترو من العلم والاتباع، ولا ينفع ذلك إلا بالإخلاص لله، لا ليقال: فلان تارك للمعاصي بنور الفقه، إذ المعاصي يفتقر اجتنابها إلى معرفتها ويكون الترك خوفاً من اللَّه، لا ليمدح بتركها، فمن داوم على هذه الوصية فقد فاز". وقال ابن القيم في أول الرسالة التبوكية (ص: 13) : "وهذا من أحسن ماقيل في حد التقوى".
3 في (ب) " مؤلفنا ".
4 انظر: ثمرات النظر في علم الأثر للمؤلف (53 وما بعدها) .

الصفحة 43