كتاب الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف

من الأولياء وكذلك الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني1 قال: "كلَّما جاز تقديره معجزة للنبي لا يجوز أن يكون ظهور مثله كرامة لولي، وإنَّما مبالغ الكرامات إجابة دعوته أو موافاة ماء في بادية في غير موقع المياه، أو نحو ذلك مما ينحط عن خرق العادات" انتهى2.
__________
1 هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفرايني الأصولي الشافعي، صاحب التصانيف الكثيرة. توفي سنة 418هـ. انظر ترجمته في السير (13/353356) .
وقوله الذي يشير إليه المصنف ذكره القشيري في الرسالة، قال: كان الإمام أبو إسحاق الإسفرايني رحمه الله يقول: "المعجزات دلالات صدق الأنبياء، ودليل النبوة لايوجد مع غير النبي، كما أنَّ العقل المحكم لما كان دليلاً في كونه عالماً لم يوجد إلا ممن يكون عالماً، وكان يقول: الأولياء لهم كرامات شبه إجابة الدعاء فأما جنس ما هو معجزة الأنبياء فلا". الرسالة للقشيري (ص:158) .
قال الذهبي في السير (13/355) : "وحكى أبو القاسم القشيري عنه أنَّه كان ينكر كرامات الأولياء، ولا يجوِّزها، وهذه زلَّة كبيرة".
2 انظر: جمع الجوامع مع شرحه للمحلي (2/420) . وهذا الذي نقله المصنف عن المعتزلة وأشار إلى قول الإسفرايني به قول باطل، وسبب إنكار هؤلاء حصول الخوارق للأولياء هو اعتقادهم أنَّ نبوة النبي إنَّما تثبت بالمعجزات؛ لأجل هذا التزموا إنكار خرق العادات لغير الأنبياء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العقيدة الأصفهانية (ص88) : "هذه الطريقة هي من أتمِّ الطرق عند أهل الكلام والنظر حيث يقرِّرون نبوة الأنبياء بالمعجزات، ولا ريب أنَّ المعجزات دليل صحيح لتقرير نبوة الأنبياء، لكن كثير من هؤلاء بل كل من بنى إيمانه عليها يظن أن لا تعرف نبوة الأنبياء إلا بالمعجزات، ثم لهم في تقرير دلالة المعجزة على الصدق طرق متنوعة، وفي بعضها من التنازع والاضطراب ما سننبِّه عليه، والتزم كثير من هؤلاء إنكار خرق العادات لغير الأنبياء حتى أنكروا كرامات الأولياء والسحر ونحو ذلك".
وقال في كتابه النبوات (ص150) : "والمعتزلة … ظنوا أنَّ مجرد كون الفعل خارقاً للعادة هو الآية على صدق الرسول، فلا يجوز ظهور خارق إلا لنبي، والتزموا طرداً لهذا إنكار أن يكون للسحر تأثير خارج عن العادة مثل أن يموت ويمرض بلا مباشرة شيء، وأنكروا الكهانة وأن تكون الجنّ تخبر ببعض المغيبات وأنكروا كرامات الأولياء".

الصفحة 63