كتاب الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف

يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله" ولعمري إنَّه قد وقر في النفوس تعظيم أقوام، فإذا نقل عنهم شيءٌ فسمعه الجاهلُ بالشرع قبله لتعظيمهم في نفسه، كما ينقل عن أبي يزيد أنَّه قال: "تراعنت عليَّ نفسي فحلفت أنْ لا أشرب الماء سنة"1، وهذا إذا صح عنه كان خطأً قبيحاً، وزلةً فاحشةً؛ لأنَّ الماء ينفذ الأغذية إلى البدن، ولا يقوم مقامه شيء، وإذا لم يشرب فقد سعى في أذية بدنه، وقد كان يُستعذب الماءُ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم2، أفترى هذا فعل من يعلم أنَّ نفسه ليست له، وأنَّه لا يجوز التصرف فيها إلا بإذن من مالكها، وكذلك ينقلون عن بعض الصوفية أنَّه قال: "سرت إلى مكة على طريق التوكل حافياً فكانت الشوكة تدخل في رجلي فأحكها بالأرض ولا أرفعها، وكان علي مسحٌ، فكانت عيني إذا آلمتني أدلكها بالمسح، فذهبت إحدى عيني". وأمثال هذا كثيرٌ، وربما حملها القُصَّاص على الكرامات
__________
1 ذكره القشيري في الرسالة (ص:14) قال: "وقيل لأبي يزيد ما أشد ما لقيت في سبيل الله فقال: لا يمكن وصفه، فقيل له: ما أهون ما لقيت نفسك منك، فقال: أما هذا فنعم دعوتها إلى شيء من الطاعات فلم تجبني فمنعتها الماء سنة".
2 عقد البخاري في كتاب الأشربة (10/174 فتح) باباً بعنوان "استعذاب الماء" ساق فيه بسنده عن أنس بن مالك قال:"كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب ماله إليه بيرحاء، وكانت مستقبل المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها، ويشرب من ماء فيها طيب ... " الحديث.
وروى أبو داود في كتاب الأشربة من سننه (3/340) عن عائشة رضي الله عنها "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُستعذب له الماء من بيوت السقيا". قال الحافظ في الفتح (10/74) : "بسند جيد وصححه الحاكم".
وفي الباب أحاديث أخرى عديدة انظرها في الفتح.

الصفحة 67