كتاب الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف

أقول: علل وقوع الكرامة للأولياء بعد موتهم بعموم قدرة الله تعالى المتعلقة بجميع الممكنات، وقدرة الله على جميع الممكنات مما لا نزاع فيه بين المسلمين، فإنَّه قد علم من ضرورة الدين أنَّ الله على كلِّ شيء قدير، ولكن ما كلُّ مقدورٍ واقعٌ اتفاقاً وقطعاً عقلاً وسمعاً، قال الله تعالى: {إِن يَّشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} 1 قال: {وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلاَئِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ} 2 {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَآءِءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} 3 وفي بعضها بين الله تعالى الحكمة التي اقتضت عدم إيجاده المقدور، كقوله: {وَلَوْلاَ أَن يَّكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَّكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ ... } 4 الآية، وجميع ما تمدَّح به تعالى من هذه الأمور المقدورة لم يقع، والبحث عن وقوع المقدور لا في إمكانه5.
وما قوله6: إنَّ الكرامات للأموات واقعة؛ لأنَّه تعالى قادر على كلِّ الممكنات إلاَّ نظير قولك لجبل من الجبال هذا ذهب؛ لأنَّ الله تعالى قادر على أن يجعله ذهباً. فيقال: صدق نصف هذا الكلام وكذب نصفه، فإنَّ قولك إنَّه ذهب كاذب وقولك إنَّ الله قادر على أن يجعله ذهباً صادق، لكن لا ينفع صدقه في مدعاك7.
__________
1 سورة فاطر، الآية 16.
2 سورة الزخرف، الآية 60.
3 سورة الشعراء، الآية 4.
4 الزخرف، الآية 33.
5 في الأصل: "إلا في إمكانه" وهو خطأ.
6 في (أ) : "وأما قوله".
7 قال شيخ الإسلام في شرح العقيدة الأصفهانية (ص:92) : "فليس كلّ ما علم إمكانه جوز وقوعه، فإنَّا نعلم أنَّ اللهَ قادر على قلب الجبال ياقوتاً والبحار دماً، ونعلم أنَّه لا يفعل ذلك ... ".

الصفحة 71