كتاب الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف

فأوحى الله إلى داود، ياداود أيُّ حقٍ لآبائك عليَّ، ألستُ أنا الذي هديتهم ومننت عليهم واصطفيتهم فلي الحق عليهم"1.
فهذه البدعة وهي الاستغاثة بالأموات وإنزال الحاجات بهم والتوسل إنَّما هو بقية من عبادة الأصنام؛ فإنَّ الجاهلية كانوا يستغيثون بهم ويطلبون الحاجات منهم، وكلُّ بدعة ضلالة، كما ثبت في الأحاديث2، وأيُّ ضلالةٍ أعظم من عبدٍ يُنزل حاجاته بالأموات [611] ويعرض عن باري البريات.
وقد ثبت أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم بايعه جماعة من الصحابة على أن لا يسألوا الناس شيئاً، فكان أحدهم إذا سقط سوطه وهو على راحلته لم يسأل من يناوله، بل ينزل بنفسه3، كلُّ هذا لتفرد الله بالسؤال وطلب الحاجات.
وإن قال: لم أُعرض عن الله، إنَّما تقربت بهم إليه. فيقال: هذا بعينه هو الذي قاله من قال إنَّه لا يعبد الأصنام إلا لتقربه إلى الله زلفى، غاية الفرق أنَّ صنمه من حجارة أو خشب وصنمك من سلالة من طين، وأماَّ التوسل وطلب الحاجات فهو العبادة بل هو مخ العبادة كما ثبت في الأحاديث4 ولو كان التوسل بالأموات جائزاً أو مندوباً لعلَّم رسولُ الله
__________
1 لم أجده في مدارج السالكين لابن القيم، وقد ذكره شيخ الإسلام في "التوسل والوسيلة" (ص:281) وعزاه إلى الحلية لأبي نعيم.
2 تقدم تخريج بعض الأحاديث في هذا المعنى في صدر هذه الرسالة.
3 أخرجه مسلم في صحيحه (2/721) من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه.
4 ثبت في مسند الإمام أحمد (4/267) وسنن الترمذي (5/211) وسنن ابن ماجه (2/1258) ومستدرك الحاكم (1/491) وغيرها عن النعمان بن بشير أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء هو العبادة".
وقال الحاكم: "صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وقال الحافظ في الفتح (1/49) : "وإسناده حسن".
وأمَّا حديث "الدعاء مخ العبادة" فقد أخرجه الترمذي (5/456) من حديث أنس بن مالك، وقال: "حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة". لكن معناه صحيح؛ لحديث النعمان المتقدم.

الصفحة 92