كتاب الإتقان في علوم القرآن (ط مجمع الملك فهد) (اسم الجزء: 4)
عن أبي بن كعب قال كل شيء في القرآن من الرياح فهو رحمة وكل شيء فيه من الريح فهو عذاب ولهذا ورد في الحديث اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا وذكر في حكمة ذلك أن رياح الرحمة مختلفة الصفات والمهبات والمنافع وإذا هاجت منها ريح أثير لها من مقابلها ما يكسر سورتها فينشأ من بينهما ريح لطيفة تنفع الحيوان والنبات فكانت في
الرحمة رياحا وأما في العذاب فإنها تأتي من وجه واحد ولا معارض لها ولا دافع وقد خرج عن هذه القاعدة قوله تعالى في سورة يونس { وجرين بهم بريح طيبة } وذلك لوجهين لفظي وهو المقابلة في قوله { جاءتها ريح عاصف } ورب شيء يجوز في المقابلة ولا يجوز إستقلالا نحو { ومكروا ومكر الله } ومعنوي وهو أن تمام الرحمة هناك إنما تحصل بوحدة الريح لا باختلافها فإن السفينة لا تسير إلا بريح واحدة من وجه واحد فإن اختلفت عليها الرياح كان سبب الهلاك والمطلوب هنا ريح واحدة ولهذا أكد هذا المعنى بوصفها بالطيب وعلى ذلك أيضا جرى قوله { إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد