كتاب الإتقان في علوم القرآن (ط مجمع الملك فهد) (اسم الجزء: 4)

الثالث الحصر الذي قد يفيده التقديم وليس هو على تقدير تسليمه مثل الحصرين الأولين بل هو في قوة جملتين إحداهما ما صدر به الحكم نفيا كان أو إثباتا وهو المنطوق والأخرى ما فهم من التقديم والحصر يقتضي نفي المنطوق فقط دون ما دل عليه من المفهوم لأن المفهوم لا مفهوم له فإذا قلت أنا لا أكرم إلا إياك أفاد التعريض بأن غيرك يكرم غيره ولا يلزم أنك لا تكرمه وقد قال تعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } أفاد أن العفيف قد ينكح غير الزانية وهو ساكت عن نكاحه الزانية فقال سبحانه وتعالى بعده { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } بيانا لما سكت عنه في الأولى
فلو قال ( بالآخرة يوقنون ) أفاد بمنطوقه إيقانهم بها ومفهومه عند من يزعم أنهم لا يوقنون بغيرها
وليس ذلك مقصودا بالذات والمقصود بالذات قوة إيقانهم بالآخرة حتى صار غيرها عندهم كالمدحوض فهو حصر مجازي وهو دون قولنا ( يوقنون بالآخرة لا بغيرها ) فاضبط هذا وإياك أن تجعل تقديره ( لايوقنون إلا بالآخرة )
إذا عرفت هذا فتقديم ( هم ) أفاد أن غيرهم ليس كذلك فلو جعلنا التقدير لا يوقنون إلا بالآخرة ) كان المقصود المهم النفي فيتسلط المفهوم عليه فيكون المعنى إفادة أن غيرهم يوقن بغيرها كما زعم المعترض ويطرح أفهام أنه لا يوقن بالآخرة
ولا شك أن هذا ليس بمراد بل المراد

الصفحة 1582