كتاب الإتقان في علوم القرآن (ط مجمع الملك فهد) (اسم الجزء: 5)

الحمد دون العبادة في الرتبة لأنك تحمد نظيرك ولا تعبده فاستعمل لفظ ( الحمد ) مع الغيبة ولفظ ( العبادة ) مع الخطاب لينسب إلى العظيم حال المخاطبة والمواجهة
ما هو أعلى رتبه وذلك على طريقة التأدب
وعلى نحو من ذلك جاء آخر السورة فقال { الذين أنعمت عليهم } مصرحا بذكر المنعم وإسناد الإنعام إليه لفظا ولم يقل ( صراط المنعم عليهم ) فلما صار إلى ذكر الغضب روى عنه لفظه فلم ينسبه إليه لفظا وجاء باللفظ منحرفا عن ذكر الغاضب فلم يقل ( غير الذين غضبت عليهم ) تفاديا عن نسبة الغضب إليه في اللفظ حال المواجهة
وقيل لأنه لما ذكر الحقيق بالحمد وأجرى عليه الصفات العظيمة من كونه ربا للعالمين ورحمانا ورحيما ومالكا ليوم الدين تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بأن يكون معبودا دون غيره مستعانا به فخوطب بذلك لتميزه بالصفات المذكورة تعظيما لشأنه حتى كأنه قيل ( إياك يا من هذه صفاته نخص بالعبادة والاستعانة لا غيرك )
4986 قيل ومن لطائفه التنبيه على أن مبتدأ الخلق الغيبة منهم عنه سبحانه وتعالى وقصورهم عن محاضرته ومخاطبته وقيام حجاب العظمة عليهم فإذا عرفوه بما هو له وتوسلوا للقرب بالثناء عليه وأقروا بالمحامد له وتعبدوا له بما يليق بهم تأهلوا لمخاطباته ومناجاته فقالوا { إياك نعبد وإياك نستعين

الصفحة 1736