كتاب الإتقان في علوم القرآن (ط مجمع الملك فهد) (اسم الجزء: 5)
عن هذه الإختلافات فإنه على منهاج واحد في النظم مناسب أوله آخره وعلى درجة واحدة في غاية الفصاحة فليس يشتمل على الغث والسمين ومسوق لمعنى واحد وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى وصرفهم عن الدنيا إلى الدين وكلام الآدمين تتطرق إليه هذه الإختلافات إذ كلام الشعراء والمترسلين إذا قيس عليه وجد فيه اختلاف في منهاج النظم ثم اختلاف في درجات الفصاحة بل في أصل الفصاحة حتى يشتمل على الغث والسمين فلا تتساوى رسالتان ولا قصيدتان بل تشتمل قصيدة على أبيات فصيحة وأبيات سخيفة وكذلك تشتمل القصائد والأشعار على أغراض مختلفة لأن الشعراء والفصحاء في كل واد يهيمون فتارة يمدحون ( الدنيا ) وتارة يذمونها وتارة يمدحون الجبن ويسمونه حزما وتارة يذمونه ويسمونه ضعفا وتارة يمدحون الشجاعة ويسمونها صرامة وتارة يذمونها ويسمونها تهورا ولا ينفك كلام آدمي عن هذه الإختلافات لأن منشأها إختلاف الأغراض والأحوال والإنسان تختلف أحواله فتساعده الفصاحة عند إنبساط الطبع وفرحه وتتعذر عليه عند الإنقباض وكذلك تختلف أغراضه فيميل إلى الشيء مرة ويميل عنه أخرى فيوجب ذلك إختلافا في كلامه بالضرورة فلا يصادف إنسان يتكلم في ثلاث وعشرين سنة وهي مدة نزول القرآن فيتكلم على غرض واحد ومنهاج واحد ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بشرا تختلف أحواله
فلو كان هذا كلامه أو كلام غيره من البشر لوجدوا فيه إختلافا كثيرا