كتاب الإسلام وأوضاعنا السياسية

وثمراته إنما هو عارية ينتفع بها البشر، وأن القيام على العارية في فقه البشر نيابة وإن كانت نيابة العبد عن ربه والمملوك عن ماله، كذلك علمنا أن مركز المستخلفين في الأرض هو مركز الخليفة أو النائب، وأن الخلافة أو النيابة هي عن الله - جَلَّ شَأْنُهُ -، وهي قائمة في حدود ما سخر الله للبشر من مخلوقاته، وما سلطهم عليه من ملكه، وما خولهم في ذلك كله من الاستغلال والانتفاع.

واذا كان الله - جَلَّ شَأْنُهُ - وهو مالك كل شيء قد سخر ما يملك لينتفع به عامة البشر الذين استخلفهم في الأرض، فإنه - جَلَّ شَأْنُهُ - هو الذي يمنح كل فرد منهم ما في يده من هذا الملك الواسع {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 247]. سواء كان ما في يد الفرد قليلاً لا يزيد على حاجته أو كثيرًا يكفي العشرات والمئات {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد: 26]. وما تغير هذه المنح أَيًّا كانت صفة الممنوحين، فما هم إلا بعض أفراد البشر المستخلفين في الأرض يقومون على ملك الله، وما هذا الملك إلا عارية في أيديهم، وما مركزهم من هذا الملك إلا مركز النائب أو الخليفة، وما لهم من سلطان على هذا الملك إلا ما خولهم الله من استغلاله والانتفاع به.

ولقد فرض الله على البشر أن ينفقوا من ماله الذي استخلفهم فيه وجعلهم قوامًا عليه {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7]. ولم يترك لهم الخيار في الإنفاق، وعجب ألا ينفقوا، وما ينفقون إلا مِمَّا رزقهم الله وآتاهم إياه {وَمَاذَا

الصفحة 38