كتاب الإسلام والحكم

الراشدين وهنا أنقل مرة ثانية ما قلته في رسالتي (بين الجباية والهداية) «تأسست دولة الإسلام وفتحت فارس وبلاد الروم والشام ونقلت إلى عاصمة الإسلام -المدينة المنورة- كنوز كسرى وقيصر وانصبت عليها خيرات المملكتين العظيمتين وانهال على رجالها من أموال هاتين الدولتين وترفها وزخارفها ما لم يدر قط بخلدهم وقد انقضى على إسلامهم ربع قرن وهم في شدة وجهد من العيش وفي خشونة المطعم وخشونة الملبس لا يجدون من الطعام إلا ما يقيم صلبهم ولا من اللباس إلا ما يقيهم من البرد والحر فإذا بهم اليوم يتحكمون في أموال الأباطرة والأكاسرة ولو أراد الواحد منهم أن يلبس تاج كسرى وينام على بساط قيصر لفعل لقد كانت هذه والله محنة عظيمة تزول فيها الجبال الراسيات وتطير لها القلوب من جوانحها وتعمى العيون ولكنهم ما فطنوا أنهم ما وقفوا بين الفقر والغنى فحسب بل أنهم خيروا بين أن يتنازلوا عن دعوتهم وأمانتهم ومبادئهم وينفضوا منها يدهم فلا يطمعوا فيها أبدا وبين أن يحافظوا على روح هذه الدعوة النبوية وعلى سيرة رجالها اللائقة بخلفاء الأنبياء والمرسلين وحملة الدعوة والمؤمنين المخلصين.
كان لهم أن يؤسسوا ملكا عربيا عظيما على أنقاض الدولة الرومية والفارسية وينعموا كما نعم ملوكها

الصفحة 20