كتاب إتحاف ذوي الألباب

اللهُ النُّونَ (¬1) - وَهُوَ الدَّوَاةُ -، وَخَلَقَ القَلَمَ، فَقَالَ: اكْتُبْ، قَالَ: وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مِنْ عَمْلٍ مَعْمُولٍ - بِرٍّ أَوْ فُجُورٍ - وَرِزْقٍ مَقْسُومٍ - حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ -، ثُمَّ الْزَمْ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَأْنَهُ مِنْ دُخُولِهِ فِي الدُّنْيَا وَمُقَامِهِ (¬2) فِيهَا كَمْ هُوَ، وَخُرُوجِهِ مِنْهَا كَيْفَ (¬3).
وَفِي «تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ» (¬4): قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَوَّلُ شَيْءٍ خَلَقَ اللهُ: القَلَمُ؛ مِنْ نُورٍ، طُولُهُ خَمْسُ مِئَةِ (¬5) عَامٍ (¬6)، فَقَالَ القَلَمُ: اِجْرِ،
¬__________
(¬1) (النُّونُ): هِيَ الوِعَاءُ الَّتِي يُوضَعُ فِيهِ الحِبْرُ.
(¬2) (الُمقَامُ) - هُنَا -: بِضَمِّ المِيمِ؛ مِنَ الإِقَامَةِ، أَمَّا الفَتْحُ فَمِنَ القِيَامِ.
(¬3) انْظُرْ «تَفْسِيرَ مَكِّيٍّ» (12/ 7613)، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» (21/ 104) و (23/ 143)، وَالبَيْهَقيُّ فِي «القَضَاءِ وَالقَدَرِ» (ص211).
(¬4) هُوَ: أَبُو إِسْحَاقَ، أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ؛ مُفَسِّرٌ، لَهُ اشْتِغَالٌ بِالتَّارِيخِ، مِنْ كُتُبِهِ: «الكَشْفُ وَالبَيَانُ فِي تَفْسِيرِ القُرْآنِ»، وَيُعْرَفُ بِـ «تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ»، تُوُفِّيَ سَنَةَ (427هـ)، انْظُرِ «الأَعْلاَمَ» لِلزِّرِكْلِيِّ (1/ 212).
(¬5) أَثْبَتُّهُ - هُنَا - بِحَذْفِ أَلِفِ (مِئَةٍ)، وَفِي المَخْطُوطِ إِثْبَاتُهَا، وَقَدْ كَانَتْ تُضَافُ الأَلِفُ - وَتَبْقَى المِيمُ عَلَى كَسْرِهَا -؛ لِإِزَالَةِ الالْتِبَاسِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ (مِنْهُ) - وَنَحْوِ ذَلِكَ -؛ دَفْعًا لِاشْتِبَاهِ الرَّسْمِ فِي اللَّفْظَتَيْنِ، وَكَانَ هَذَا قَبْلَ نَقْطِ الحُرُوفِ، أَمَّا الآنَ فَلَا حَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي «أَدَبِ الكَاتِبِ» (ص246): «وَ (مِائَةٌ) زَادُوا فِيهَا أَلِفاً لِيَفْصِلُوا بِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ (مِنْهُ)، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: (أَخَذْتُ مِائَةً)، وَ (أَخَذْتُ مِنْهُ)، فَلَوْ لَمْ تَكُنِ الأَلِفُ لَالْتَبَسَ عَلَى القَارِئِ».
أَمَّا الفَصْلُ فِي (خَمْسِ مِئَةٍ) - وَنَحْوِهَا - بَدَلَ (خَمْسِمِئَةٍ)، فَالأَوَّلُ عَلَى القِيَاسِ، وَالثَّانِي عَلَى شُذُوذٍ، انْظُرْ «هَمْعَ الهَوَامِعِ» للِسُّيُوطِيِّ (2/ 515).
(¬6) أَيْ: مَسِيرَةَ خَمْسِ مِئَةِ عَامٍ؛ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي الشَّيْخِ فِي «العَظَمَةِ» (2/ 590).

الصفحة 28